القسم الأول
من فار روكاواي إلى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (12)
كبير الباحثين الكيميائيين في شركة ميتابلاست
بعد
أن أنهيت دراستي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، قررت البحث عن وظيفة صيفية.
تقدمت مرتين أو ثلاث مرات للعمل في مختبرات بيل، وزرت المكان عدة مرات. كان بيل
شوكلي، الذي عرفني من فترة دراستي في مختبر معهد ماساتشوستس، يصطحبني في جولة كل
مرة. لقد استمتعت بهذه الزيارات كثيرًا، لكنني لم أحظَ أبدًا بفرصة العمل هناك.
تلقيت
رسائل توصية من بعض أساتذتي إلى شركتين محددتين: إحداهما كانت موجهة إلى شركة بوش
ولومب لتتبع الأشعة عبر العدسات، والأخرى إلى مختبرات الاختبار الكهربائي في
نيويورك. في ذلك الوقت، لم يكن أحد يعرف فعليًا ما هو عمل الفيزيائي، ولم تكن هناك
وظائف متاحة في الصناعة للفيزيائيين. أما المهندسون، فكان الوضع مختلفًا تمامًا.
لكن الفيزيائيين؟ لم يكن أحد يعرف كيف يمكن الاستفادة منهم. والمثير للاهتمام أنه
بعد فترة قصيرة جدًا من انتهاء الحرب، انقلبت الأمور تمامًا: أصبح الجميع يبحث عن
الفيزيائيين في كل مكان. لكن في أواخر فترة الكساد الكبير، لم أكن أحرز أي تقدم
كفيزيائي يبحث عن وظيفة.
في ذلك الوقت، التقيت
بصديق قديم لي على الشاطئ في مسقط رأسنا، فار روكواي، حيث نشأنا معًا. كنا قد
ارتدنا المدرسة نفسها عندما كنا في الحادية عشرة أو الثانية عشرة من العمر، وكنا
أصدقاء مقربين للغاية. كلا منا كان شغوفًا بالعلوم: لديه "مختبره"، ولدي
"مختبري". كنا نمضي ساعات طويلة في اللعب معًا ومناقشة الأفكار العلمية.
اعتدنا تقديم عروض سحرية
للأطفال في الحي - نوع من السحر الكيميائي. كان صديقي موهوبًا في الاستعراض، وكنت
معجبًا بذلك وأحببت المشاركة. كنا نُجهّز طاولة صغيرة للعروض، نضع عليها موقدي
بنسن في كلا الطرفين، يعملان باستمرار. فوق المواقد، كنا نضع ألواحًا زجاجية صغيرة
مملوءة باليود، والتي تُطلق بخارًا أرجوانيًا جميلًا يرتفع على جانبي الطاولة
أثناء العرض، مما أضاف جوًا مميزًا ومثيرًا.
قمنا بالعديد من الخدع الكيميائية، مثل تحويل "النبيذ"
إلى ماء أو إحداث تغييرات لونية مذهلة. ولكن ذروة العرض كانت تعتمد على حيلة
اكتشفناها بأنفسنا: كنت أغمس يدي سرًا في حوض ماء، ثم في البنزين. بعدها، كنت
"أخطئ عن قصد" وألمس أحد مواقد بنسن، فتشتعل إحدى يدي بالنار. أصفق
بيدي، فتشتعل كلتاهما. (لم يكن الأمر مؤلمًا؛ فالنار كانت تحترق بسرعة، والماء
يحمي الجلد من الحرارة). ثم أركض هنا وهناك ملوّحًا بيداي المشتعلتين، وأصرخ:
"حريق! حريق!" وسط ضحك ودهشة الجمهور. كان الجميع يشعرون بالإثارة
ويركضون خارج الغرفة، وهكذا نختتم العرض!
لاحقًا، رويت هذه القصة في
الكلية لأصدقائي في الأخوية، لكنهم قالوا: "هذا هراء! لا يمكن أن تفعل ذلك!"
(كنت دائمًا أواجه هذا
النوع من المواقف مع هؤلاء الشباب، حيث أحتاج إلى إثبات أمور لا يصدقونها. مثل تلك
المرة التي دخلنا فيها في جدال حول ما إذا كان البول يخرج من الجسم بفعل الجاذبية.
اضطررت لإثبات خطئهم عن طريق إظهار أنه يمكنك التبول وأنت واقف على رأسك. أو تلك
المرة التي زعم فيها أحدهم أن تناول الأسبرين مع الكوكاكولا يؤدي مباشرة إلى
الإغماء. قلت لهم إن هذا الكلام مجرد هراء، وعرضت أن أجرب ذلك أمامهم. عندها بدأوا
في نقاش طويل حول الترتيب الصحيح: هل يجب تناول الأسبرين قبل الكوكاكولا، أم بعدها
مباشرة، أم مزجهما معًا؟ انتهى بي الأمر بتناول ستة أقراص أسبرين مع ثلاث زجاجات
من الكوكاكولا، واحدة تلو الأخرى. أولاً تناولت الأسبرين ثم شربت الكوكاكولا. بعد
ذلك، أذبنا قرصين من الأسبرين في زجاجة كوكاكولا وشربتها. وأخيرًا، شربت زجاجة
الكوكاكولا وتناولت قرصين من الأسبرين. وفي كل مرة، كان هؤلاء الحمقى الذين يصدقون
هذا الهراء يقفون حولي، ينتظرون اللحظة التي يسندوني فيها عندما يُغشى عليّ. لكن
بالطبع، لاشيء من ذلك حدث. أتذكر أنني لم أنم جيدًا تلك الليلة، لذا قررت استغلال
الوقت في حل بعض المسائل الرياضية. وبالفعل، قمت بتطوير بعض الصيغ المتعلقة بما
يُعرف باسم دالة ريمان-زيتا.)
بعد أن انتهيت من القصة،
قلت لهم بابتسامة: "حسنًا، يا شباب، فلنخرج ونحضر بعض البنزين."
قاموا بتحضير البنزين،
فغمست يدي في الماء داخل الحوض، ثم في البنزين، وأشعلت النار... وكانت النتيجة
ألمًا لا يُطاق! كما ترى، خلال تلك الفترة نبتت شعيرات على ظهر يدي، وهذه الشعيرات
عملت مثل الفتائل، مما جعل البنزين يبقى في مكانه أثناء احتراقه. في المرة السابقة
عندما جربت ذلك، لم يكن لدي شعر على ظهر يدي، لذا لم أشعر بأي ألم. أما الآن، وبعد
أن أعدت التجربة أمام زملائي في الأخوية، فقد أصبحت يداي خالية تمامًا من الشعر
مجددًا!
لاحقًا، التقيت بصديقي على الشاطئ. أخبرني أنه اكتشف طريقة لطلاء البلاستيك
بالمعدن. أجبته بأن هذا مستحيل، لأن البلاستيك لا يوصل الكهرباء، وبالتالي لا يمكن
توصيل سلك به. لكنه كان واثقًا تمامًا، وقال إنه يستطيع طلاء أي شيء بالمعدن. ما
زلت أتذكره وهو يلتقط نواة خوخ كانت ملقاة على الرمال، ليقول بثقة: "يمكنني
طلاء هذه أيضًا!" كان يحاول إثارة إعجابي.
المثير في الأمر أنه عرض علي وظيفة في شركته الصغيرة، التي كانت تقع في
الطابق العلوي من أحد المباني في نيويورك. لم يكن هناك سوى أربعة أشخاص يعملون في
الشركة. والده كان المسؤول عن جمع المال وكان، كما يبدو، "الرئيس". أما
هو، فكان "نائب الرئيس"، إلى جانب رجل آخر كان يعمل بائعًا. أما أنا،
فقد أصبحت "كبير الباحثين الكيميائيين"، بينما كان شقيق صديقي، الذي لم
يكن معروفًا بذكائه الكبير، مسؤولًا عن تنظيف الزجاجات. في مختبرنا، كنا نمتلك ستة
أحواض لطلاء المعادن.
كان لديهم طريقة مبتكرة لطلاء البلاستيك بالمعدن، وكانت تعتمد على خطة
محددة: أولاً، يتم ترسيب الفضة على السطح من خلال تفاعل كيميائي باستخدام نترات
الفضة مع عامل اختزال (تمامًا كما يحدث في عملية تصنيع المرايا). بعد ذلك، يتم غمر
الجسم المغطى بالفضة، الذي أصبح الآن موصلاً، في حمام طلاء كهربائي لإتمام عملية
الطلاء المعدني.
لكن المشكلة كانت في نقطة
حاسمة: هل ستلتصق الفضة بالجسم بشكل قوي؟
الإجابة: لا، إذ كانت
الفضة تتقشر بسهولة. لذلك، احتاجت العملية إلى خطوة إضافية بين المرحلتين لضمان
التصاق الفضة بالسطح. هذه الخطوة كانت تعتمد على نوع المادة المستخدمة. بالنسبة للبلاستيكات
مثل الباكليت، الذي كان يُعد من أهم المواد البلاستيكية في تلك الحقبة، اكتشف
صديقي أن الحل يكمن في معالجته بطريقتين: أولاً، يُعرَّض الباكليت لعملية النفخ
بالرمل لخلق سطح خشن ودقيق. ثم يتم نقعه لساعات طويلة في محلول هيدروكسيد القصدير،
الذي يتغلغل في مسام الباكليت. بهذه الطريقة، تصبح الفضة قادرة على الالتصاق
بالسطح بشكل متين للغاية.
ولكن هذه الطريقة كانت
تعمل فقط مع عدد محدود من المواد البلاستيكية، بينما كانت أنواع جديدة من
البلاستيك تظهر باستمرار. من بين هذه الأنواع الجديدة كان ميثاكريلات الميثيل،
الذي يُعرف اليوم بالزجاج الشبكي (Plexiglass). لم نتمكن في البداية من
طلائه مباشرة. كما كان خلّات السليلوز، الذي تميّز بتكلفته المنخفضة، من المواد
الأخرى التي واجهنا صعوبة في طلائها في البداية.
ومع ذلك، وجدنا لاحقًا حلاً لهذه المشكلة: عند وضع خلات السليلوز
في محلول هيدروكسيد الصوديوم لفترة قصيرة قبل معالجته بمحلول كلوريد القصدير، أصبح
الطلاء ممكنًا وفعالًا للغاية.
لقد حققت نجاحًا كبيرًا
كـ"كيميائي" في الشركة. كانت ميزتي الرئيسية هي أن صديقي لم يكن لديه أي
خبرة في ممارسة الكيمياء على الإطلاق؛ لم يقم بأي تجارب علمية، وكان يعرف فقط
كيفية تنفيذ شيء واحد بطريقة واحدة.
بدأت العمل بمنهجية مختلفة: قمت بوضع مجموعة متنوعة من المقابض
في زجاجات، واستخدمت جميع أنواع المواد الكيميائية. من خلال تجربة كل خيار ممكن
وتوثيق النتائج بعناية، تمكنت من اكتشاف طرق جديدة لطلاء مجموعة أكبر وأوسع من
المواد البلاستيكية مقارنة بما حققه صديقي سابقًا.
لقد تمكنت أيضًا من تبسيط
العملية بشكل ملحوظ. من خلال الاطلاع على المراجع والكتب، قمت بتغيير عامل
الاختزال من الجلوكوز إلى الفورمالديهايد، مما أتاح لي استعادة 100% من الفضة على
الفور، بدلاً من الانتظار لاستعادة الفضة المتبقية في المحلول لاحقًا.
كما قمت بإذابة هيدروكسيد
القصدير في الماء عن طريق إضافة كمية صغيرة من حمض الهيدروكلوريك—وهي فكرة تذكرتها
من دورة كيمياء جامعية. ونتيجة لذلك، الخطوة التي كانت تستغرق ساعات في الماضي
أصبحت الآن تُنجز في حوالي خمس دقائق فقط.
كانت تجاربي تتعرض دائمًا
للمقاطعة من قبل البائع، الذي كان يعود بعينة من البلاستيك من أحد العملاء
المحتملين. كنت أعمل بترتيب دقيق، مع زجاجات منظمة بعناية وعلامات واضحة على كل
شيء، لكن فجأة يأتي صوت يطالبني بالتوقف: "يجب أن تنجز عملًا 'استثنائيًا' لقسم
المبيعات!" وبهذا، اضطررت لإعادة بدء الكثير من التجارب من الصفر أكثر من مرة.
في إحدى المرات وقعنا في
ورطة كبيرة. كان هناك فنان يحاول تصميم صورة لغلاف مجلة عن السيارات. قام بصنع
عجلة من البلاستيك بعناية فائقة، وبطريقة ما أخبره أحد البائعين أننا قادرون على
طلاء أي شيء، فطلب الفنان منا أن نطلي المحور ليصبح لامعًا بالفضة. كانت العجلة
مصنوعة من بلاستيك جديد لم نكن نعرف كيفية طلاءه جيدًا، والحقيقة أن البائع نفسه
لم يكن يعرف تمامًا ما يمكننا طلائه، لذا كان يعد بأي شيء دائما . وفي المرة
الأولى، لم ينجح الأمر. لذلك، كان علينا إزالة الفضة القديمة، لكننا لم نستطع إزالتها
بسهولة. قررت استخدام حمض النيتريك المركز، الذي أزال الفضة كما كان متوقعًا، لكنه
أحدث أيضًا حفرًا وثقوبًا في البلاستيك. كنا حقًا في ورطة كبيرة تلك المرة! في
الواقع، كانت لدينا الكثير من التجارب "التوريطية".
0 التعليقات:
إرسال تعليق