السبت، 25 أبريل 2020

بعد ما بعد الحداثة

بعد ما بعد الحداثة بمصطلحات الاقتصاد ..
أزمنة الحداثة الفائقة والحداثية الفائقة 
أماني أبو رحمة.
في العام 2005 صدر عن دار بولتي للطباعة والنشر البريطانية، كتاب للفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي والأستاذ في جامعة غرونوبل الفرنسية جيل ليبوفتسكي, وبالاشتراك مع سيبستيان تشالز أستاذ الفلسفة في جامعة شيربروك الكندية كتاب بعنوان (أزمنة الحداثة الفائقة) (1). أما الترجمة للإنجليزية فهي لاندو براون. يقع الكتاب في أربعة فصول. كتب الفصل الأول سيبستيان تشالز بعنوان (الذاتية المفارقة: مدخل إلى فكر جيل ليبوفتسكي) والفصل الثاني لليبوفتسكي بعنوان: (زمن ضد الزمن أو مجتمع الحداثة الفائقة) أما الفصل الثالث فكان حواراً أجراه سيبستيان مع جيل بعنوان (مراحل التجوال الثقافي) والفصل الأخير ببيلوغرافيا بمنشورات ليبوفتسكي. 
و كتاب (أيام الحداثة الفائقة) كتاب قصير نسبيا وما يعنينا لغرض الدراسة هو المصطلح الذي أطلقه ليبوفتسكي عن المرحلة التي ستلي ما بعد الحداثية في تقديره، والتي بدأت تتبلور بوضوح في المجتمعات الغربية. في الفصل الثاني من الكتاب وعلى مدى أربعين صفحة يحاول ليبوفتسكي أن يغير طريقة تفكير العلماء بالثقافة المعاصرة والمجتمع المدني. ومثلما فعل ليوتار في كتابه (حالة ما بعد الحداثة: تقرير في المعرفة) الذي خلق القواعد الأساسية للخطاب الثقافي ما بعد الحداثي، فإن (أوقات الحداثة الفائقة) يشكل نقطة انطلاق لخطاب جديد في المعرفة. وفي الوقت الذي وضع فيه ليوتار المجتمعات المحوسبة بمكانة الناقل الثقافي إلى عصر ما بعد الحداثة, فإن فكرة ليبوفيتسكي الأساسية هي أن عصر ما بعد الحداثة كما عرفناه قد مات. وما حدث بالضبط هو أن تلك المجتمعات المحوسبة ذاتها، بعد مغازلة قصيرة لأفكار ما بعد الحداثية، دخلت في عصر الحداثة الفائقة. يكتب ليبوفتسكي:"من الواضح أن عنوان ما بعد الحداثة قد غدا قديما حين أستنفذ طاقاته وإمكانياته في التعبير عن العالم الجديد الذي بدأ في التكوين، وهنا بدأ خطاب الحداثة الفائقة.(الكتاب: 30). إن الحداثة الفائقة بإيجاز هي إعادة التأكيد على أفكار الحداثة الأساسية باستثناء وحيد هو انه لا يوجد بديل عن الحداثة اليوم، وهذا بالتحديد ما أدى إلى الوفرة في كل المجالات، ولهذا فإننا نعيش في عصر الحداثة الفائقة. الحداثة الفائقة إذا هي: نمط أو نموذج أو مرحلة في مجتمع يعكس عمقاً وحدّة في إدراك الحداثة. أما أهم مميزاته التي تعكس عمق وحِدًّة حداثته فتتضمن: إيمانه العميق بالقدرة البشرية على فهم وضبط ومعالجة كل جانب من جوانب الخبرة الإنسانية، التي تتضح في الالتزام المتزايد بالعلم والمعرفة، وخصوصا ما يتعلق بتقارب حقلي البيولوجيا والتكنولوجيا. إن التركيز على قيمة التكنولوجيا الحديثة من اجل تجاوز المعيقات الطبيعية يفسح المجال للانتقاص أو الرفض الصريح للماضي كلية، ذلك أن معرفة اليوم أكثر بما لا يقارن من معرفة الأمس. ولذلك فمن الطبيعي أن يكون هناك فجوة عميقة تمنع تكامل الحاضر والماضي لأن: 
1. ما حدث في الماضي كان بالضرورة في ظل ظروف (اقل) مما هي عليه الآن، والتي ولدت سياقا منفصلا جذريا. 
2. أن ما ورثناه عن الماضي كان مفرط التوافر في المشهد الثقافي وتم إعادة توظيفه بسهولة لتوليد وفرة أكبر مما جعلنا غير قادرين على تمييز القصد الأصلي أو المعنى. 
وهذا هو بالتحديد خطأ ما بعد الحداثة التي رفضت فكرة التغيير العقلاني في حين أنها، وفي الوقت ذاته، تقبلت فكرة أن الماضي وأثرياته تمتلك قيمة مساوية لقيمة الحاضر. كما أنها عبرت عن هذه القيمة بوساطة هياكل افتراضية لا تحمل معنى دائماً أو ثابتا. فمثلا نحن لا ندرك الحقيقة، كما تقول ما بعد الحداثة، لكننا نستطيع التعامل مع السفاسف والتفاهات. لذلك فإنها لا تتحدث عن قطيعة مع الحداثة أو مع الماضي، بل أنها تصف حاله منبثقة بالكلية عن الحداثة وعن إيمانها بالتقدم والتنمية من خلال تمكين الفرد. ومن هنا جاءت أطروحة ليبوفيتسكي التي تقول أن أجهزة ما بعد الحداثة كلها قد استحالت إلى ما يشبه القوة الثقافية المسرعة على الطريق من الحداثة إلى الحداثة الفائقة. وتبعا لذلك، جاء تساؤله الموضوعي: هل من شيء في حياتنا اليوم لا يشي بأن الحداثة قد وصلت إلى قمة القوة والسلطة والهينة ؟ ويجيب بالطبع لا. ويلاحظ ليبوفيتسكي" أن ما نراه اليوم هو نوع من اكتمال أو تحقيق الحداثة الذي يبزغ أمام أعيننا حتى في ظل استمرار تشكل أفكار ما بعد الحداثة ولكن الحداثة الفائقة الناشئة سرعان ما تتفوق على أفكار ما بعد الحداثة ومؤسساتها لتتحرك في فضاء لا ينافسها فيه أحد: فضاء الحداثة المطلقة (absolutely modern").
كتابي (نهايات ما بعد الحداثة : ارهاصات عهد جديد)

0 التعليقات:

إرسال تعليق

بحث في المدونة